أبو جهل /حسن حجازى
ورث صاحبنا عن والده قطعة أرض زراعية بمساحة معقولة لو زرعها ستغنيه هو وزوجته التى لم ينجب منها , لم يفلح فى عمل قط سوى الزواج الذى تكفل به والده رحمه الله , تفتق ذهنه الكسول عن فكرة لماذا لا يفتح مدرسة لتعليم الأولاد , باع الأرض وهجر القرية وذهب لقرية أخرى لا يعرفه فيها أحد واشترى بيتاً متواضعاً سكن فى نصفه وخصص النصف الأخر لعمل مدرسة , كان هو المعلم والعامل وكل شيء , بدأ أهل القرية فى إرسال أولادهم للمدرسة , كان بعض الأولاد ُيلمون بالقراءة والكتابة بصورة معقولة , صاحبنا لا يفعل أى شيء سوى أن يقول لهذا أقرأ وهذا أكتب , وإذا سأله أحد نهرهُ وطلب منه أن يسأل زميله! طوال الدرس يصدر أوامره :
أكتب! وأنت أقرأ! إخرس ! الهدوء ! لا تنسوا الواجبات ولا تنسوا وما لذ وطاب !
ويمضى اليوم بعد اليوم والمدرسة تنمو وتنمو , إلى أن أتى يوم دخلت عليه إحدى القرويات وهو مع تلاميذه وطلبت منه أن يقرأ لها رسالة وصلتها من أقاربها , أمسك الرسالة بالمقلوب وقال فى تأثر :
-البقاء لله أبوكِ مات !
اندفعت السيدة تبكى وتصرخ وتولول وصاحبنا لم يحرك ساكناً ولم يتنبه لغمز ولمز بعض الأولاد عليه بأن الرسالة كانت يقرأها مقلوبة !
اقترب الدرس على الإنتهاء وتهيأ الأولاد للإنصراف فإذا بالسيدة وبصبحتها عدة رجال وسيدات ومعها نفس الرسالة وطلبت منه أن يقرأها , تماسك وقلبه يكاد يسقط بين جنبيه تذكر المرأة لكنه نسى ما قاله لها , لكنه
تماسك وامسك بالرسالة وبدأ فى قراءتها فقام أحد الأولاد وعدل الرسالة التى امسكها صاحبنا بالمقلوب , أمسك صاحبنا المسكين بالرسالة وكأنه المعلم الأريب والعالم اللبيب وقال بثقة:
- أمك ماتت ! البقاء لله !
نظر إليهم فى شك وهو يقول :
- أنا لا اكذب ! الصباح أبوك ِ مات ! والظهر أمك ِ ماتت ! الأعمار بيد الله ! الرسالة تقول هذا !
لم يدرك صاحبنا ما حدث فقد انهالت يد أحد الحاضرين على وجهه فأسالت منه الدم ولم يشعر إلا وحذاء قروى حريمى ينزل على راسه ! أوشك أن يفقده الوعى !
- من أنتم ؟ وبأى حق تفعلوا بى هذا ؟
فرد الرجل الذى لطمه على وجهه :
-أنا المرحوم ياغبى ! يا جاهل ! يا حمار ! يا أبا جهل !
فنظر صاحبنا للسيدة التى نال نعلها الريفى من رأسه وأسال دمعه :
-ومن أنت ِ لتفعلى به هذا !
- أنا المرحومة يا أغبى خلق الله ! يا أجهل من أبى جهل !
أنصرف الجميع وهم يضحكون ويبتسمون وتركوا صاحبنا مزهولا ً مما يحدث ثم نظر لبيته وقال بصوت لا يكاد يُسمع :
-أبيع البيت واشترى بيت آخر فى قرية بعيدة وافتح مدرسة أخرى ولكن لن اقرأ رسائل أبداً ً !