منتديات سرتا الأدبية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات سرتا الأدبية

اقرأ ففي البدء كانت الكلمة..و في النهاية تبقى الكلمة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الانفتاح الفكري وتحقيق التقدم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. تيسير الناشف




ذكر عدد الرسائل : 9
تاريخ التسجيل : 25/09/2007

الانفتاح الفكري وتحقيق التقدم Empty
مُساهمةموضوع: الانفتاح الفكري وتحقيق التقدم   الانفتاح الفكري وتحقيق التقدم Emptyالخميس أكتوبر 04, 2007 1:42 am

الانفتاح الفكري وتحقيق التقدم




د. تيسير الناشف



تعاني المجتمعات البشرية، بما فيها المجتمعات النامية، من قدر من جمود الفكر. وتختلف هذه المجتمعات بعضها عن بعض في مدى هذا الجمود. والمقصود بالجمود الفكري هو عدم الإنفتاح الفكري أو الانغلاق الفكري الذي هو عادة عقلية. من دلائل جمود الفكر أن يكون سلوك الفكر ضمن دائرة التصور الفكري المحدود المقيد، وألا يتجاوز الفكر في علاقته بالمحيط الفكري الاجتماعي الذي حوله البدائل الفكرية المعروفة والمعهودة والمألوفة.

حتى يصبح الفكر منفتحا يجب أن يكون متفاعلا مع المحيط الفكري الاجتماعي بالمعنى الأوسع للعبارة. وحتى يوصف الفكر بأنه متفاعل يجب أن يكون منفتحا. فإذا لم يكن منفتحا فهو ليس متفاعلا. وحتى يكون الفكر منفتحا يجب ألا يكون منطويا منغلقا. فإذا انطوى أو انغلق لم يعد متفاعلا.

ويتضمن التفاعل أن يكون من سمات الفكر أنه ينطلق من افتراض نقص المعرفة المتوفرة ومن افتراض أن ما يعقله العقل أو ما يعرفه الإنسان ليس كاملا، وأن زيادة المعرفة عن طريق التفاعل عملية مُرْضية نفسيا ومُجزية علميا واجتماعيا. والتفاعل يتضمن أيضا أن يكون من سمات الفكر أنه ينطلق من الاستعداد النفسي والفكري لعدم رفض الجديد لمجرد أنه جديد ولمجرد أنه لا يقع في دائرة معارفنا.

وتكتسب هذه الصفة الفكرية والنفسية عن طريق التنشئة والتربية والمثابرة على اكتسابها وممارستها وتطويرها وإثرائها. ولأن من الصعب اكتساب هذه الصفة بسرعة ودفعة واحدة فلا بد من أن يمضي وقت أطول لاكتسابها. ولا بد لذلك من أن يكون اكتسابها تدريجيا.

ولاكتساب هذه الصفة الفكرية تجب إزالة أنماط التفكير التي تتناقض مع هذه الصفة. ومن أنماط التفكير هذه التفكير غير المسائِل وغير المتفحص، تفكير الشخص الراضي عن فكره والمكتفي والقانع به والمقتنع بصحته والمغرور به، والتفكير الذكوري الأبوي )البطرياركي( الذي يسلب من الإنسان استقلاله الفكري وفرديته وشخصيته والذي يجعل الإنسان تابعا فكريا. والاتباع الفكري لا يتفق مع الانفتاح الفكري لأنه لا تفاعل في حالة الاتباع. فالاتباع طريق واحد والتفاعل طريقان ذوا اتجاهين أو طرق ذات اتجاهات.

ومما يحول دون تحقيق الانفتاح الفكري والتفاعل الفكري هو أداء الإنغلاق الفكري لوظيفة الدفاع النفسي الاجتماعي عن الشخص المنغلق فكريا. فعن طريق هذا الإنغلاق يصد الشخص المنغلق فكريا أفكارا لعلها كانت ستبين خطأه لو لم يكن منغلقا فكريا.

وحتى يقل الإنغلاق الفكري يجب أن يقل اللجوء إليه عن طريق تقليل الحاجة إليه. ومن شأن رفع المستوى الثقافي والعلمي للإنسان أن يقلل الحاجة إلى الإنغلاق الفكري، إذ عن طريق رفع هذا المستوى تقل الأفكار الخاطئة وبذلك تقل الحاجة إلى استعمال آلية الإنغلاق.

ومن شأن التنشئة على الانفتاح الفكري والتفاعل الفكري أن تؤدي إلى تقليل الإنغلاق الفكري. والتنشئة على الثقة بالذات وعلى إدراك تعدد مصادر الاعتبار للذات من شأنها أن تقلل أيضا الإنغلاق الفكري. ومما من شأنه أن يقلل اللجوء الى الإنغلاق الفكري وأن يضعفه هو أن يعتبر الانسان التفاعل الفكري مكسبا فكريا ونفسيا واجتماعيا له وللشخص أو الأشخاص الآخرين المتفاعلين، وأن يعتبر أن الإنجاز يتحقق إذا أدى ذلك التفاعل الفكري إلى نتيجة مُرْضية فكريا للطرفين، وأن الإنغلاق الفكري لا يؤدي إلى الرضى الذاتي لأنه لم يتضمن رضى الطرفين. ومن شأن ذلك الاعتبار أن ينشأ بالتنشئة والتربية.

لقد نشأت ظروف كثيرة أدت إلى تخلف كل المجتمعات البشرية وإلى ضعفها الاجتماعي والاقتصادي، وعلى وجه الخصوص مجتمعات البلدان النامية. ومن هذه الظروف بالنسبة إلى هذه البلدان انعدام أو قلة النقد واستعمار بعض الدول الأجنبية للعالم النامي وهيمنتها عليه وسلبها لموارده وثرواته. ومن تلك الظروف أيضا في حالة عدد من البلدان العربية الحكم العثماني الطويل الذي أضعف نمو النقد الفكري أو قضى عليه والذي لم يعمل ما فيه الكفاية لنشر العلوم الحديثة في صفوف العرب. لقد أسهم الحكم العثماني إسهاما كبيرا في عزل العرب عن مفاهيم النهضة الحديثة، وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية في بقاء كثيرين من العرب أسرى الجهل والأمية.

ومما أضعفت النزعة النقدية عند العرب غلبة النظام الذكوري الأبوي )البطرياركي( الذي كان سائدا في عهد الحكم العثماني وخلال السنين التي تلته والذي لا يزال سائدا في عدد من البلدان العربية. وشجع الحكم العثماني والدول الأجنبية، خدمة لمصالحها، النظام البطرياركي.

وفي حالة الضعف العربي العام على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري استطاعت جهات فاعلة أجنبية أن تُعمل معاول الهدم في الجسد العربي والنفس العربية. وعن طريق القوة العسكرية والاحتكار في مجالات تجارية عديدة والسيطرة الاقتصادية وإنشاء وتفعيل المؤسسات التي تستلهم المصالح الغربية أحدثت جهات فاعلة غربية الاختراق الثقافي التاريخي للعالم العربي. وتمثل هذا الاختراق في مظاهر كثيرة منها إحلال لغات أوروبية محل اللغة العربية بوصفها لغة المكاتب الحكومية، واعتماد نظم التربية والتعليم الغربية التي لا تتفق جوانب منها مع الرؤى والطموحات العربية.

وكان ذلك الاختراق وما يزال السبب الأهم في انشطار الشخصية العربية بين التربية غير العلمانية والتربية العلمانية. ويشكل هذا الانشطار أحد العوامل المسهمة في نشوء الحيرة الفكرية والشلل والاستقطاب الفكريين. وفي الحقيقة أنه في كثير من مجالات الحياة العربية حدثت انقطاعات مفاجئة وحادة بين النظام الفكري الاجتماعي القِيَمي الذي كان سائدا والنظام الذي تبنته مؤسسات عربية أو فرض على العرب أن يتبنوه. وإهمال عدد كبير من المؤسسات التربوية والثقافية في الوطن العربي للتراث العربي الاسلامي على الرغم من الثروة العلمية الضخمة المشتملة فيه مثال ناصع على ذلك. وجاء هذا الانقطاع بحلول مؤسسات ومفاهيم غربية محل المؤسسات والمفاهيم العربية، أو بطمس الأولى للأخيرة، أو بتهميش الأولى للأخيرة، أو بإيجاد اتباع أكبر للأولى وابتعاد عن الأخيرة.

إن غلبة حضارة على حضارة أخرى قد تنطوي على أخطار على حياة وكيان الشعوب صاحبة الحضارة المغلوب على أمرها. وفي سياق الغلبة الحضارية فإن حالة الشعوب غير الغربية تختلف عن حالة الشعوب الغربية. ففي حالة التأثير الحضاري بين شعوب غربية - مثلا تأثير الثقافة البريطانية في الشعوب النوردية - لا تكون هذه الشعوب خائفة من هذا التأثير ومقاومة له مثل خوف شعوب غير أوروبية، وذلك بالنظر إلى التشابه الحضاري والانتماء القاري الأوروبي. فبسبب ذلك التشابه والانتماء لا يحتمل أن يصل الأمر بالسياسة الخارجية البريطانية - في حالة غلبة الثقافة البريطانية - إلى تجويع الشعوب النوردية. وعانت شعوب غير غربية من تجربتها للحكم الغربي الذي أسهم في تخلفها الحضاري، وذلك لأسباب منها عدم الانتماء إلى نفس العرق وإلى نفس الحضارة والموقع الجغرافي.

ولا يفهم ولا ينبغي أن يفهم من هذا الطرح أن كل جوانب المفاهيم والمؤسسات الغربية سيئة أو طيبة أو أن كل جوانب المفاهيم والمؤسسات العربية سيئة أو طيبة. ولكن ما حدث وما يزال يحدث هو أن المفاهيم والمؤسسات الغربية بالحسن والسيء منها طمس مفاهيم ومؤسسات عربية بالحسن والسيء منها.

إن أحد الأسئلة التي يجب أن يتناولها الذين لديهم القدرة على التناول هو هل يمكن نظريا تبني مجتمع من المجتمعات لجوانب إيجابية من مفهوم أو مؤسسة دون تبني جوانب سلبية لنفس المفهوم أو لنفس المؤسسة. وإذا كان الجواب بالإيجاب نظريا فهل يمكن ذلك عمليا في ظل الظروف الثقافية والاقتصادية والنفسية والتاريخية السائدة التي تتسم بتقليد كثيرين من العرب للغرب وبانبهارهم بحضارته حسنها وسيئها وبتلاشي شخصيتهم إزاءه وبضعف الدولة العربية والمجتمع العربي. ويتجلى هذا التلاشي فيما يتجلى فيه في الظاهرة البغيضة التي توجد في أجزاء من الوطن العربي وهي أن المبدع العربي - سواء كان شاعرا أو ناثرا أو ناقدا أو قاصا أو فيلسوفا أو مفكرا أو فنانا - أحيانا لا يُلتفَت إليه ويُقَر ويُعتَد بنتاجه الإبداعي إلا إذا اعترف غربيون بذلك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الانفتاح الفكري وتحقيق التقدم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سرتا الأدبية :: منتديات النثر :: منتدى المقال-
انتقل الى: