منتديات سرتا الأدبية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات سرتا الأدبية

اقرأ ففي البدء كانت الكلمة..و في النهاية تبقى الكلمة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 فن الاختفاء

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فاطمة المزروعي




انثى عدد الرسائل : 1
تاريخ التسجيل : 26/10/2007

فن الاختفاء Empty
مُساهمةموضوع: فن الاختفاء   فن الاختفاء Emptyالجمعة أكتوبر 26, 2007 12:34 pm

اعتادا في بداية حياتهما معا أن يلعبا لعبة الاختباء ..، لعبة يضيِّعا فيها بعضهما ثم يبدآ في العثور على بعضهما في أرجاء الحارة..، لعبة ممتعة.
ضفائرها الطويلة، أصابع قدمها السمراء، وهي تعدو في طرقات الحارة، ثوبها الفضفاض ذو الألوان الزاهية، هو أمامها، وهي في الخلف تصدر أصواتاً عالية، وتنطلق ضحكاتها، تنطلق في سعادة، وتكاد من فرطها أن تتقافز من بين شفتيها.

السير باتجاه الطرق الملتوية، المملوءة بالحجارة، والأطفال الذين يلعبون، والشوارع حيث الجرائد الممزقة، والقمامات المملوءة بالنفايات. السير بأقدام حافية، دامية، مغبرة من أثر الغبار، والبحث عنها وسط هذه الوجوه، عمليه مرهقة، لابد أنها لا تزال تظن بأن اللعبة لم تنته.
البيت يقترب، والباب الخشبي الضخم، يلوح من بعيد، وعالمها يبتعد عنه تدريجيا، تدريجيا، وضفائرها تبتعد، ويتلون جسدها باللون الأسود، ذلك السواد الذي يتلفع بتقاسيمه..
حفيف الستارة الداخلية تثيره، يرفع رأسه، يرمقها ببرود، الهواء الحار يعبث في البيت بجنون، وينفذ خلال النوافذ المشرعه، تذكر بأنه أخبر والدته مراراً ألا تفتح النوافذ في فصل الصيف، هو يكره الحر، ويكره الشمس، ويكره أموراً كثيرة في حياته..

وقع أقدامها يثير فوضى حميمة في داخله..

رفع رأسه إلى وجه والدته، الجالسة على المقعد الطويل في الصالة، اقترب منها، قبل يديها، ثم غادر مسرعا، ولم تسأله هي عن سبب ضيقه، اكتفت بابتسامة شاحبة، ثم عادت لتكمل حديثها مع صديقتها في الهاتف، لامبالاتها الواضحة، تجاهلها لأحاسيسه، انشغالها بدورها الروتيني في الحمل والإنجاب، جعلها لا تفهم سر تلك الحالة التي يعيشها..

الغرفة الباردة، بابها العتيق، الأرضية الرخامية، الكرسي اليتيم الذي يقبع بجوار النافذة الزجاجية، رأسها يخرج من خلف الستارة تبحث عنه، يصرخ لوهلة، وهي تتعلق بثوبه..

- كفى، لقد فزت علي..

تطلق ضحكة صافية، وتعود للاختباء، يبحث عنها تحت السرير، في الخزانة الطويلة، بين ملابسه، وفي أدراج مكتبه بين صوره الماضية. بحث طويلا حتى تعب، وعفرت قدميه بالتراب، أدماها البحث، لحظتها أدرك بأنه قد أضاعها في لعبتهما..

- هيا اخرجي، لقد تعبت من البحث عنك..

...............

- لاتنفعك، والدها سكير، وأمها تدور في البيوت وسمعتها على كل لسان..
- لكنني أريدها ياأمي..

والدته ترشف القهوة من فنجانها الكبير وتمتم في عصبية ممزوجة باستنكار، وهي تدق على صدرها: سوف أبحث لك عن بنت جميلة، تستحقك يا بني..
ووالده زعق في وجهه: إن تزوجتها، أقسم بأنك لست ابني ولا أعرفك..

لاتزال هي مختبئة، منتظرة أن يبحث عنها، نظرة عينيها البريئة لا يمكن له أن ينساها، ..

- أريد منكِ أن تقبليني؟

أشار لشفتيه في دلال، أراد أن يتذوق طعم القبلة الأولى، ضحكت واختبأت خلف واحدة من الشجيرات، كانت تريد أن تمارس معه لعبتهما المفضلة، ولكنه اقترب منها، وقبلها، تلاصقت شفتيهما معا في إغماءة عميقة نسيا معها لعبتهما..
لم يعد فن الاختباء يثيرها، ولم يعد فن البحث عنها يروق له، أراد أن يدخلها عالما لا يمكن لها أن تجد مكانا للاختباء سوى في صدره، قبل أن يعلم بأنه لن يراها بعد ذلك أبدا، تحدثا طويلا ً عن أشياء كثيرة، .. كان يتأمل صوتها أكثر مما ينصت إلى المعلومة فيما تقول..، وتغور عيناه بكل ما يراه من جسدها سابحاً في عتمة مشاعره.

- بنت القوادة، لديها أصابع جميلة لا تمتلكها أجمل بنات الحارة.

كان الزهو في أعماقه يكبر كلما لمح أصابع قدميها، وهي تعدو خلفه في الحارة، ويتضايق كلما وجد الغبار طريقه إليهما، ويمسحهما بثوبه من فرط تعلقه بهما..

لم يصدق أن التي ظنها تتقن فن الاختباء فقط تمتلك لسانا جميلا، ومنطقا تتفوق به عليه، كان كلامها أشبه بسهام صوبته إلى أماكن مجهولة، لكنه لم يستطع رغم ذلك أن يعدها بشيء، فاتهمته بالضعف والجبن والانضواء تحت براثن عائلته، وانسحبت بصمت ودون كثير بال من فقدانه.

تمنى أن تلتفت للخلف وتخبره برغبتها في العودة إلى اللعبة، يضيِّعان بعضهما ثم يبدآن في العثور على نفسيهما. لكنها لم تمنحه هذا الشيء، ..كان الضباب قد انتشر بسرعه في الحديقه التي كانا فيها معا، وكانت مشاعرهما قد تاهت وسط مقاعدها، وأشجارها الكثيفة، ..هذه المرة أدرك بأنه قد ضيعها للأبد، وأنه لن يعود لتلك اللعبة أي زهو مماثل لما كانت عليه معها، بل بالأحرى أن اللعبة نفسها اختفت من الوجود بمجرد اختفائها هي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رياض بن يوسف
المدير العام



ذكر عدد الرسائل : 163
تاريخ التسجيل : 01/09/2007

فن الاختفاء Empty
مُساهمةموضوع: رد: فن الاختفاء   فن الاختفاء Emptyالجمعة أكتوبر 26, 2007 1:47 pm

سرد رائع ..و عميق يشد القارئ إلى نهاية القصة.هي من نوع القصة السايكولوجية التي أرسى تقليد كتابتها القاص الفرنسي بنجامان كونستان في القرن 19 عبر روايته أدولف..و لعل هذا النمط من القص هو الأقرب إلى نفس القارئ.
في مطلع القصة هنات نحوية بسيطة:يضيعا و يبدآ الصواب يضيعان و يبدآن.
مرحبا بالقاصة المتالقة فاطمة المزروعي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://cirta.ahlamontada.com
 
فن الاختفاء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سرتا الأدبية :: منتديات النثر :: منتدى القصة القصيرة-
انتقل الى: