انطلق راكضاً نحو البيت تحاصره عناكب النهار من كل جانب ويقضُّ هدوءه صمت هذا النهار الموحش...واكتملت المسرحية بهذا الأحمق الذى يتابعه من بعيد ويرمقه بسهامه القاتلة ...بخارطة هذاالوجه الملئ بالحروب ..بصمته القادر على فضح كل شئ........انطلق " محمد عاطف الطالب بالفرقة النهائية بكلية الهندسة" ..إلى بيته مسرعا يعتريه همٌ من الداخل والخارج يفتت آخر ما تبقى لديه من حصون الأمن.........انطلق مهرولاً من شارع إلى شارع يحاول أن يأسر لحظة من الزمن يختفى خلالها عن وجه هذا الدميم الذى يراقبه....مضى يقطع أرصفة الطرقات تباعاً ليصل إلى بيته واختلس نظرةً ففُوجئ بشذرات نارية تخرج من عين هذا الأحمق تلاحقه أينما ذهب!....تساءل فى عجب عن سبب تتبُّعه له!.....وما الفائدة؟!.... وما جدوى كل ذلك؟.......... انفّضَّ المولد وانتهت المظاهرة وعاد كلٌ إلى منزله......وجاءت جحافل الباعوض بسيارتها المصفحة وأخذت من أخذت معها!..... وتركت من تركت!....والحمد لله فُتِحتْ المحاضر وجاء الضابط وسجل من سجل تحت " المصلحون شغباً!!"....وعاد الكل إلى ممارسة عمله....إذن لم يتبعْنى هذا الأحمق؟!...وشرُدتُ بعيدا وأخذتُ معى دقات الساعة حتى اصطدمتُ بحاجز المنزل ...ثم التفتُ خلفى فلم أجد هذا الآدمى المبعثر!..............انصرف والحمد لله......كما أحضروه صرفوه!.....ومضيتُ أفكر فى الهم الثانى الذى ينتظرنى بالمنزل........كالعادة سيوبِّّخُنى كالعادة......ويُسفِّهُنى كالعادة... ويدغدغ جُرأة أحلامى كالعادة!........ماذا سأقول له؟ ..وكيف سأبرر غيابى كل هذا الوقت...وكيف سأفسر آدميتى المبعثرة ووجهى المشرب بالحمرة من خوف الطرقات وتسكع الدروب!........وأدخل لتعود النجمة لمدارها.................."أين كنت؟....."
"كنتُ يا أبى فى ..............."
"وما سبب تأخيرك؟..."
"الس.........."
ودار برأسى مشهد كل يوم...عراك حاد وسباب حاد.......وجار عجوزٌ يتمتم :" أنى لهذا الرجل أن يتحمل هذا"الفلحوس"؟!..لماذا لا يرميه فى متاهات الزمن ليريحنا منه! "..........
وتقطع تمتمات العجوز برأسى أمى المسكينة طالبةً من أبى أن يهدأ وألا ينفعل خوفا من هياج "الضغط" عليه.......ولكنى فُوجئتُ به قائلاً : ادخل غرفتك وبدِّل ملابسك.. أريد أن أتحدث معك يابنى!"...
أهذا أبى ؟؟؟؟؟؟؟ معقول؟؟؟ ...سبحان مغير الأحوال! ...يبدو أن آباء الظهيرة يختلفون عن آباء الصباح....أكثر الله ظهيرتهم!...................ودخلتُ إلى غرفتى حتى ارتشفتُ هفوة من هفوات الزمن أتذكر ما حدث فى المرة الماضية والخسائر التى لحقت بالبيت.............
خسرنا مزيداً من أثمن التحف التى يتفنَّنُ أبى فى تصويبها على !!!!
خسر أبى مزيداً من الصحة!!!!
خسرت أمى مزيدا من راحة البال!!!!
خسرتُ أنا مزيدا من الكرامة ...أو بالأحرى ...باقي الكرامة!!!...
كسب الشيطان مزيداً من تصفيق تلامذته!.....
هممممممممممممممممممم....ويكسرُ صمت الحدث رجاءُ أمى ...قائلة لأبى : " هدء من نفسك بالله عليك ....نحن لا نكون شيئاً بدونك.....".
ويدخل أبى فى هدوء العاصفة ويُجلسُنى بجواره قائلا: " ياولدى.. أما اكتفيت؟!"...
"ياوالدى أأأأ........"
" هم حكامنا شئنا أم أبينا!.... هم ياولدى يعلمون صالح هذ الأمة!..........."
" يا والدى كنت أريدُ أن أقو......."
" أنت تعلم جيدا ياولدى أن للحكم أعباءه...وهم كان الله فى عونهم..يكفيهم أنهم حمونا من الحروب"
" نعم ياوالدى ولكن فى وجهة نظ.............."
" يابنى..السياسة لها أهلها ولا يصلح للسياسة طائش"
"ياوا..............."
سأعطيك الحكمة من النهاية...أتؤمن بالله وبرسوله؟"
" طبعا الحمد لله ياوالدى"
" ألم تسمع قول الله : " واطيعوا الله والرسول وأولى الأمر منكم"
" ولكن ياوالدى الطاعة هن..................."
" اسمع أيها الجاهل ..لقد سئمت منك ومن حديثك وجدالك...أعطيتك الفرصة لتتحدث ... فلم تُفِدْ!!!!!!!!!!!!!!!...اسمع ..طاعة ولى الأمر هى تنفيذ لأحكام الشرع ياجاهلاً بالشرع!!!... أتريدُ أن تٌدخلنا جهنم لجهلك وغبائك؟!.... نفذ أمر الشرع وإلا قطعتُ رأسك! ..."
"ياوالدى أري......................"
وكالعادة يلتقط الزمن صورتى مندهشاً مشردَ الملامح متعجباً من ديمقراطية أبى الشرعية!"
تحياتى
