- في عالم محمد الميموني الشعري:
( الحلم في زمن الوهم) ، ديوان شعري للشاعر المغربي محمد الميموني. يتكون من 76 صفحة من الحجم المتوسط. يشتمل على قصيدة مقسمة إلى أبواب، هي:
• الحلم في زمن الوهم ( يشتمل على سبع قصائد).
• قصائد سائبة( تشتمل على إحدى عشرة قصيدة) .
• حكايات( تشتمل على سبع قصائد).
والعنوان كنص شعري يوحي بأنه لم يبق غير الحلم عزاء تتلهى به الروح، و كوة تهرب منها النفس من واقع الحال إلى واقع مثالي. ولكن كما نعلم، الحلم نوع من الإحباط. وهو كذلك نوع من التنبؤ. ولذلك محمد الميموني يحاول أن يجلو الغربة عن نفسه، ويكون لنفسه مساحة تكون مثل بطولاته ويلحظ فيها حالة الحلم الذي يجد فيه ملاذه وبعده عن هذا الزمن المقيت:
سأحلم في زمن الوهم
كي أتجاوز مستنقعات الغباء
وفي النفق الملتوي العنيد
سأحفر متسعا للضياء( ص: 9)
وهكذا يتحول الحلم عند شاعرنا إلى تجاوز للواقع، وخرق للحواجز، واستشفاف وتطلع إلى المستقبل. ولكن بعد الحلم يبدأ الحفر، وخرق جدار المجتمع المتردي لصنع كوة ينبعث منها الضياء، والهواء النقي.
ومحمد الميموني يجد سهولة في خلق النص الشعري، وهو يحاول جاهدا تحقيق قدر كبير من التوازن بين المستوى الفني والجمالي للقصيدة، وبين المستوى الفكري والمضموني لها. ولذلك يحضر صورا ذات أبعاد دلالية معتمدا في تبليغها على الإشارة، والإيقاعية. ولذلك حفل بالموسيقى الداخلية لقصائده، والمتمثلة في الرقة والعذوبة، والإيقاع النغمي للفظ، والأسلوب، مما جعل الصور مؤثرة وغنائية في الوقت نفسه.
كما أن هناك تناسقا بين طبيعة التجربة الشعورية، وطبيعة الإشعاع الإيقاعي، والتصويري للفظ. ومن هنا نستنتج أن محمد الميموني رغم أنه شاعر سبعيني، مارس القصيدة العمودية، فقد تخلى عنها ليعيش القصيدة الحديثة، ويلتحم مع إيقاعاتها الجهيرة. ولذلك يضع شاعرنا في بداية ديوانه أسس مذهبه الشعري، وهو البحث عن القصيدة العارية من الزخرف والأصباغ، يحملها نفسه وحلمه:
رأيتك في حلة الغنج
يستملح الأمراء بسالفك
المستباح
تجرين في الزمن المتهافت
جياد الزخارف
متعبة ومهينة
وهذا الشكل الشعري يتطلب منه إيقاعية خاصة، حيث يعمد إلى تجانس الأصوات،فيكرر أصواتا بعينها في أوائل الكلمات، أو المقاطع المتوالية. ولذلك يعمد الميموني على:
1)- تكرار الحروف، حيث تقوم القصائد على أساس موسيقي. وهذه الحروف هي:
الحرف تردده وتكراره
- اللام
- الألف
- التاء
- الياء
- النون
- الراء
- الواو
-الهمزة
- الباء 1863مرة
1226 مرة
1170 مرة
984 مرة
745 مرة
703 مرة
689 مرة
619 مرة
531 مرة
أما من حيث الصفات، فنجد أن:
صفات الحروف والأصوات ترددها
- المجهورة
- المهموسة
- الرخوة
- الشديدة
- الأصوات الانفجارية
- الأصوات الاحتكاكية
- الأصوات الانفجارية الاحتكاكية
- الأصوات المتوسطة
- أنصاف الصوائت
- الحروف المطبقة
- الحروف الرقيقة
- الحروف الشفوية
-الحروف الشفوية الأسنانية
- الحروف الأسنانية
- الحروف الأسنانية اللثوية
- الحروف اللثوية
- الحروف الطبقية
- الحروف الغارية
- الحروف اللهوية
- الحروف الحلقية
- الحروف الحنجرية 7823مرة
3903 مرة
2611 مرة
3109 مرة
3498 مرة
2563 مرة
230 مرة
4224 مرة
861 مرة
435 مرة
12517مرة
1444 مرة
412 مرة
160 مرة
2390 مرة
3311 مرة
2401 مرة
4711 مرة
802 مرة
088 مرة
609 مرة
وهكذا نجد أن تكرار الحروف ليس فوضويا، ولكنه يتميز بنوع من التناظر، والتوازي الوظيفي، الشيء الذي يعطي لشعره جرسا لا يخلو من جمالية وهرمونية.
2)- القافية: اعتمد أشكالا إيقاعية في قصائده نتيجة قراءاته الكثيرة للشعر الغربي، وخاصة الفرنسي، وهذه القوافي في الديوان على الشكل التالي:
• قافية متعانقة:
ويصادر مملكة اللون 1
على العصافير حين تهاجر 2
تبوح لها القطرات البشائر 2
بموقع عاصمة اللون 1( الحلم في زمن الوهم، ص: 14)
• قافية مسطحة:
إلا عن وجهه في أزمة الصفر 1
يمشي فوق حراب الخفر 1
وتحت عيون الحراس 2
يبدو في كل عيون الناس 2
في أزهار الدفلى 3
تنبت من أجساد القتلى 3 ( ص: 28)
• قافية متداخلة:
أراك من خصاصة الغياب 1
ممتطيا غزالة فضية 2
مخترقا سحابة العذاب 1
على جناح الريح الغجرية 2 ( ص: 67)
• قافية متحررة:
إذا كانت محارة في ظلام المحيط 1
حيثما أتوجه ألق خطاك 2
على ساحة الاغتيال 3
ووجه الحبيبة 4
وفي الأغنيات التي تتردد 5
من دهاليز سجن 6 ( ص: 25).
وجمالية الشعر لا تنبع في المستوى الصوتي من التكرار فقط، بل أيضا في فعالية الخطاب الشعري، من حيث التنوع ، أي تنويع صفات الأصوات، وأنواع المقاطع، وصور التفعيلة، أي كل ما يخرق التوقع، ويوقف آلية التلقي التي يراكمها التكرار- كما يقول الأستاذ أحمد بوزوفور في كتابه( تأبط شعرا) ص: 24- وهكذا نجده اعتمد إيقاعية المقاطع ليوفر لقصائده توازيا زمنيا، وإيقاعا تنفسيا متساو. وهذه المقاطع هي:
المقاطع عدد تكرارها
- القصير المنفتح
- المتوسط المنغلق - 617 مرة
- 141 مرة
هكذا نجد أن المقاطع القصيرة هي الأكثر عددا، وهذا يعطي للقصائد نوعا من الانسيابية، والسرعة، ووفرة الصور الشعرية، وتواليها في حركة إيقاعية متناغمة.
أما من حيث صور التفعيلة، فهي تأخذ صورة واحدة تقريبا في ( الحلم في زمن الوهم)ن حيث اعتمد تفعيلة المتقارب، والرجز، والمقتضب، والمجثت، والمتدارك. وأخذ يراوح ( فعولن) في نموذجها الكامل، وبين صورها المقبوضة، أو المحذوفة ليحقق نوعا من الإيقاع يقصد به وحدة النغمة، حيث تتوالى الحركات والسكنات على نحو منتظم يسر الأذن، وتلذ به.
وهكذا يوفر في قصائده الشعر والموسيقى، لأن الشعر ما هو إلا ضرب من الموسيقى. ومحمد الميموني الشاعر، والإنسان يهتم بالكلمة الشعرية وشحذها من الخارج، والداخل حيث قصائده. تتوفر على كم زاخر من الكلمات والجمل الشعرية،وهو يحاول من هذه الفواصل الشعرية التي يعتبرها رولان بارث: كتلا حية ومتوهجة تشتمل على طبقات كمونية من
الرموز، والترسبات، أن يجعل منها تشكيلا موسيقيا يهدهد الوعي العقلي، أو الشعوري قبل الوعي السمعي، حيث نجد أن ( الحلم في زمن الوهم) الوعي الشعري فيه مرتفع، ومتقظ. هذا راجع إلى تأجج الحس اللغوي، وارتفاع شفافيته وسمو الإشكالية اللغوية لديه. وبذلك يعطي شاعرنا الميموني قصائده جمالية وفنية.
والميموني من الشعراء الذين لا يطلقون سراح الكلمة إلا إذا راعت السياق العام، وراعته التماثل اللفظي. وهذا يبين أن الميموني على جانب اهتمامه بالصورة الشعرية، والموسيقى الداخلية. فهو يهتم اهتماما بالغا باللغة، ويراعي جانبها الفني، والجمالي، والبلاغي.
2- مصادر شعر محمد الميموني من خلال( الحلم في زمن الوهم):
أ)- النحت من الذاكرة، واسترجاع صور الطفولة الأولى: في الحلم يعود الميموني إلى الطفولة، و إلى عهد الصبان حيث يتقاطع الزمان والمكان، مكونا صورا تغترف من الماضي إلى الحاضر، ومن الحاضر إلى الماضي. وفي هذا الاسترجاع يحاول أن يمسك بالذكريات وبالزمان، وتساعده في ذلك بعض المظاهر، منها سماع تكتكات المطر على زجاج النوافذ، ووسط المدينة العتيقة بتطوان. ساعتها يتراءى تمامه ذلك الصبي الصغير، بين يديه لوح خشبي، طلي بالصلصال. وفتية تستنزف حناجرها في قراءة جماعية. وطفل آخر تأكل الفلقة قدميه. وهكذا يبين مدى الحنين الذي يتغشى شاعرنا، ومدى الغربة التي يستشعرها في زمانه هذا:
استرجع الحكاية
ينزل المطر على النوافذ العمياء
وتلمع الرتابة الملساء
على فضاء القرمد البني
ينسحب النهار من أزقة المدينة
وينحت الفقيه من أحزانه الدفينة
ملامح الصلصال وظلاله العميقة
تستنزف الحناجر الفتية
بقبة الفلق بعتبة العشية ( ص: 11)
ب)- النحت من القرآن ومن التراث: لا يستطيع شاعر أن يتخلص من تراثه. بل الشاعر الجديد منغرس في تراثه – كما يقول أدو نيس في ( زمن الشعر) ص: 250- لكنه في الوقت نفسه منفصل عنه. إنه متأصل، لكنه ممدود في جميع الآفاق.
والتراث واضح في روح قصائده. إذ روح القصيدة التقليدية ظاهر في لغته، وقافيته، وتفعيلته. كما نجد نفح الرومانسية، وغنائية الشعر في ديوانه، وذلك راجع إلى تأثره بمدرسة أبولو، وبمدرسة المهجر.
كما نجد أثر نزار القباني ورائعته ( قارئة الفنجان) واضحة في هذا المقطع الشعري:
يا غريب تقوم السهام:
سماؤك غائمة والنعيم محال
والمياه معلقة بين الهلاك وبحر الشمال ( ص: 59).
كما نجد في ( الحلم في زمن الوهم) بعض الكلمات القرآنية، يوظفها شاعرنا كصورة وخيال، وفكرة يحقق بها نوعا من الدلالة النغمية، والفنية. ومنها: (تقيمون الصلاة- الطوفان- آنس نارا- تولون الأدبار- كن فيكون- إنا فتحنا- وهن العظم منك- يوسوس في صدر- مقاعد للسمع..). كما أنه يوظف مخزونه التراثي كالاقتباس من خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي، وحي بن يقظان، وقصة نوح عليه السلام، وهذا كله خدمة للشعر.
ج)- النحت من النزعة الإنسانية: الشعر ليس سوى تأويل للرؤية الصادقة. والمقصود بالإنسانية، أنها قوة معنوية وروحية تتصل اتصالا مباشرا بالفعل الصادر عن الذات الخيرة الصافية، التي لا تهدف لها إلا خير الإنسانية، وصلاحها. ولذلك نرى الميموني يهتم بالشارع المغربين وما يروج في الساحة. فنجده يخصص قصيدة لمعتقلي الرأي، والمغتربين، ولعمر بن جلون، والمهاجرين، ولقضية سبتة ومليلية.
د)- النحت من الغربة والاغتراب: الغرباء هم الذين يعيشون داخل أوطانهم في عالم مأساوي. والاغتراب عند شاعرنا ليس اغترابا ماديا عن طريق الرحيل، وإنما هو اغتراب روحي يتمثل في عدم التكيف الاجتماعين والنفسي. فهو يحس بالغربة في زمن
الوهم هذا. فالوطن يتجاهله، ويصم أذنه عن نداءاته حتى صدئت الكلمات في صدر شاعرنا:
من المغترب بديارك حين تدور الرحى
يتساءل دون صدى
وتمر القبائل ساعية للغنيمة عبر طريق النجاة ( ص: 30)
ويقول أيضا: موصدة كل الأبواب إليك
خائفة فيك الأحلام
مهاجرة في عمر الزهر
قاسية فيك الغربة
يا وطني
وختاما، نقول بأن شاعرنا محمد الميموني لا يخلو من شعره من انسياب تلقائي للشعور، حيث يفيض في شعره الوجدان بلا حدود. كما أن فيه نوعا من الصدق، والسهولة والشفافية، وهذا ما جعل بعض النقاد المغاربة كالدكتور نجيب العوفي يقول: << وفي مقدمة الظواهر التي تواجه قارئ شعر محمد الميمونين هذه العفوية الملساء التي نكيف عالمه الشعري، وتلون عنده الرؤى والكلمات>> ..//..
