منتديات سرتا الأدبية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات سرتا الأدبية

اقرأ ففي البدء كانت الكلمة..و في النهاية تبقى الكلمة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المفتش

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
mohamed
زائر




المفتش Empty
مُساهمةموضوع: المفتش   المفتش Emptyالثلاثاء سبتمبر 04, 2007 3:12 pm

دعوني آخذكم في رحلتي اليومية...رحلة رتيبة. ولكن- الحقيقة- أجد فيها بعض الشغف. ها أنا كل صباح أقف أمام المرآة..مرآة لم يبق منها إلا مثلث تآكلت سيقانه، وشرخت مساحته. مرآة شنقت بمسامير ثلاثة، ثبتها إلى جدار متهرئ تقشرت صباغته. مرآة أرتب بها نفسي، وأصلح أمامها من هندامي.. الهندام شيء أساسي خاصة وأنني أعمل بمؤسسة مختلطة.
بعض ملابسي موضوعة دونما نظام بدولاب يجر نفسه من أيام دخول الماريكان...دولاب بدون أبواب. رشقت جنباته بمسامير مختلفة الأطوال والأحجام. كتب عليه أن يعاشرني هذه السنوات من عمري في هذه الغرفة والتي هي شبه غرفة، والمعلقة في سطح عمارة لم يبق فيها من العمارة إلا الاسم.
كل شيء في غرفتي بسيط....غرفتي بسيطة في فراشها...بسيطة حتى في صباغتها... بسيطة في سقفها الذي تكون لي معه حكاية وألف حكاية عندما يتساقط المطر.
واقف أمام عمي مسعود. عمي مسعود تعرفه كل الحارة...مكانه دائما في زاوية الزنقة9. يضع على صدره وزرة جلدية صفراء تقيه طشاش الحريرة، والبصارة... زبناؤه أمثالي كثيرون يتهافتون على حريرته وبصارته..رفقتي مع حريرة أو بصارة عمي مسعود أصبحت عادة. وجبتي المقدسة كل صباح، وكثيرا ما تمتد أيضا إلى الليل. لا أتخلص منها إلا في الأسبوع الأول من كل شهر، حيث تعرف مصاريني الجبن والسمك المعلب أو المقلي، والمقانق؛ ثم أحن إلى حريرة عمي مسعود فأعود إليها في اليوم العاشر بالأحضان.
ها أنا وسط حافلة يزكم دخانها أنفي...كل صباح تطرق أذني بابن جدية، أو محطة الشاوية نفس الأنغام، ونفس الأدعية، ونفس الكلمات...حلويات، علك، ودهون للكلف وحب العرق ، والشباب. متسولون على مختلف الألوان والأشكال.
وسط الحافلة أنسى نفسي. أخلع حذائي المثقوب لأصلح جوربي المثقوب... رائحة كريهة تتصاعد. ألبس حذائي بسرعة.. تتحرك الحافلة... تهتز الحافلة...الحريرة تكاد تتقاذف من بلعومي... يسرح بي تفكيري بعيدا. لا يعيدني إلى وعيي إلا صوت عمي حمودة مساعد السائق الذي أصبح يعرفني لركوبي معه يوميا.
- نوض آلفقيه راك وصلتي...
تلفظني الحافلة قرب دوار البرادعة...ما زالت أمامي خمسة كيلومترات وسط الحرث والضيعات...أجد في مشيتي. وكم كانت الطريق مضحكة... كثيرا ما كنت أصادف رجالا
وشيوخا يحملون مراجل ودلاء بها ماء، ثم يختفون وسط القصب أو بين أغصان الميموزا.
مناظر ألفتها، وأصبحت عندي عادية ومألوفة.
ألتفت ورائي علني ألمح عربة أو جرارا، أطلب من سائقها إيصالي إلى المدرسة..لا أعرف مشكلا مع المواصلات يوم السوق الأسبوعي.
ها هي سيارة قادمة... سيارة سيمكا 1300 صفراء قادمة... سحابة من الحمري وراءها. أشير لسائقها بإبهامي ربما يتوقف لي...أسعل من الغبار...أدعك عيني...لم يتوقف...لم ينظر إلي..
كانت الساحة فارغة...الهدوء يعم المدرسة... شيء غريب!!...السيارة الصفراء أمام الإدارة..علامة استفهام أمام عيني...لا يهمني. لأدخل قسمي قبل أن يخرج المدير من إدارته فيسمعني قاموسه المعتاد.
أفتح باب القسم..عالمي الخاص... يا إلهي!!... شخص لا أعرفه جالس بمكتبي...الأطفال في سكون تام..أهو أستاذ جديد حل مكاني؟. أأصبحت فائضا؟. يقف الرجل الأصلع. يتوجه
نحوي.عبوس... شزر في عينيه.. نار تخرج من منخريه...آه!!..إنه الرجل الأصلع الذي مر قبالتي قبل قليل، ولم يتوقف لي رغم إشارتي له، وأشبع رئتي بغبار عجلاته.
- ما هذا التأخير؟. أهذا دأبك؟. حسنا... املأ هذا الاستفسار.
- من أنت... س... سي... سيدي؟!...(قلت بصوت أجش متقطع).
- مفتش اللغة العربية... أنت هكذا دائما... دائم التأخير..
- لم أتأخر قط.. سيدي... المدرسة بعيدة..لا مواصلات.. ولقد مررت قبل قليل، وأشرت لك ولم تتوقف لي...
- (وقاطعني بنبرته الحادة) أنا لا يهمني...المهم هناك استعمال الزمان. يجب عليك احترامه... وهذا شغلك. تدبر وسائلك بنفسك..أنا لا يهمني إن كانت المدرسة بعيدة أو قريبة. الذي يهمني أن تدق الثامنة فتجدك في قسمك لتبدأ عملك..هذه مسؤوليتك... وإذا لم تنضبط سأتخذ في حقك الإجراءات اللازمة...أين هي المذكرة اليومية؟. والجذاذات؟..
- هاهي سيدي... كل شيء موجود..
- ماذا؟. أين تسطير اليوم؟.
- تسطير اليوم؟. لقد نسيته تماما.
- نسيته؟. هذا إهمال واضح...أنت لا يصلح لك إلا تعيين بمنطقة جبلية لا ماء ولا زرع بها. أو انتقال تأديبي إلى إحدى الفرعيات النائية.
خرج المفتش غاضبا، مزبدا، متوعدا. ما إن تحركت سيارته حتى فتح لي المدير معاجم التعنيف، والتأنيب والوعيد.
تحلق حولي بعض الزملاء والفضول، والنصح والشماتة في كلامهم:
- ابحث عن نفسك مادام الوقت أمامك. الحق به وتفاهم معه. ستجني على نفسك كما جنت على نفسها براقش. ما زلت مبتدئا، ومتدربا وفي بداية حياتك المهنية..اسأل المدير الحل... فهو فكاك المشاكل رغم نباحه.
المدير ينظر إلي بشماتة... يتكلم بزهو:
- يجب أن تفهم نفسك..
- كيف؟...(أجيب مستغربا).
- مائتا درهم أوصلها إليه... وستفتح لك الطريق...
- مائتا درهم؟. ومن أين؟!...
جلست قبالة مكتب المدير... وضعت رأسي بين راحتي: << مائتا درهم؟...شهر من الحريرة والبصارة. ما زلت لحد الساعة لم أتوصل بأجرتي... مائتا درهم يا رب>>.
- محمد... محمد... قم... أنمت؟... أما زلت تحلم؟. أنسيت؟... ثم قل لي ماذا تقصد بمائتي درهم... رددتها في غفوتك مرارا... هيا... قم... ودع عنك الكسل. أنسيت أنه لدينا لقاء مع المؤطر بتمارة للقيام بتفتيش إدارة.
- آه!!.. لقد نسيت تماما..أما عن المائتي درهم فلا تسألني يا أخي... لقد عدت عشرين سنة إلى الوراء...هيا بنا.. وحذار أخي أن تكون مثل ذلك المفتش الأصلع..//..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحمد حرا
زائر




المفتش Empty
مُساهمةموضوع: رد: المفتش   المفتش Emptyالثلاثاء سبتمبر 18, 2007 5:17 pm

اخى الحبيب محمد... اصطحبتنا معك فى "تنويمتك المدرسية".... رأيت أن التفاصيل هنا اضفت رحابة ادبية ومزيدا من التعايش بينى القارئ والقصة....
عمل رائع وسرد منظم ... عمدت به الى اشباع المتلقى بحالة شعورية... ثم..ايقاظه على صوت الزميل....
تحياتى..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المفتش
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سرتا الأدبية :: منتديات النثر :: منتدى القصة القصيرة-
انتقل الى: