قصة الغول لجميل السلحوت في ندوة اليوم السابع
القدس:من جمال غوشة 6-9- 2007
ناقشت ندوة اليوم السابع الاسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس قصة الأطفال الغول لجميل السلحوت الصادرة في أواخر آب 2207 عن منشورات مركز بعثة الطفولة الفلسطينية في رام الله ،تقع القصة التي صمم رسوماتها عصام عودة في 16 صفحة متوسطة الحجم مفروزة الألوان.
يدأ النقاش محمد خليل عليان فقال:
قصة الغول والتربية الحديثة
لا يجد القارئ أية صعوبة في فهم الأبعاد التربوية في قصة الغول للكاتب جميل السلحوت والتي نشرت مؤخرا عن منشورات مركز بعثة الطفولة الفلسطينية في رام الله فلسطين . فالقصة كما أشار الكاتب في العنوان، وكما يوحي لنا اسم دار النشر كتبت للأطفال ومن اجل الأطفال، وتحمل رسائل تربوية للأطفال . وهي لذلك كتبت بلغة بسيطة ومفهومة وبخط كبير وواضح ومشكول، وهي تناسب الأطفال من مختلف الأعمار والمستويات ، ومرفقة بالرسومات الملونة الجميلة والمعبرة والتي ترافق تسلسل النص، وتساهم في تنمية تخيل الطفل للأحداث من خلال الايحاءات بالمكان والزمان .
ورغم أن القصة قصيرة جدا (16 صفحة من القطع المتوسط لا تحتوي الصفحة سوى عدة أسطر ) الا أن تحليلها والوقوف على مغازيها وأبعادها يطول، وربما يتجاوز عدة صفحاتها بكثير . وتوخيا للاختصار وعدم تكرار ما قد يتعرض له الزملاء في الندوة فإنني أرغب في التطرق الى ما يلي :
1. الخرافة والطفولة : تناول الكاتب في قصته موضوع الخرافة من خلال قصة الغول التي روتها الجدة لخديجة الطفلة الصغيرة التي لم يشأ الكاتب ان يفصح عن عمرها ليترك لنا حرية الاجتهاد من خلال الحدث والرسومات . ويبدو أن الجدة أسهبت في وصف الغول أمام الطفلة الى درجة الرعب والخوف، ونتيجة لذلك حلمت به، وشاهدته في الحلم على نحو أكثر رعبا من رواية الجدة، الى درجة أنها بالت في ملابسها، واستيقظت خائفة مرتجفة . من الواضح أن الكاتب يريد القول هنا أن الخرافة لم تعد أسلوبا لتربية الأطفال، ولا مصدرا لثقافته مثلما كانت في زمن سابق . ولم تعد تحتل موقعها في حديثنا اليومي وكفت ان تكون وسيلة لتنمية خيالنا . لقد ارتبطت الخرافة في طفولتنا بالجدة أو الأمّ التي تجمع أحفادها أو أطفالها في ليلة من ليالي الشتاء حول موقد الحطب، أو تحت الغطاء لتحدثهم عن " حديدون والغولة " أو عن ليلى والذئب، أو العجوز الساحرة وغيرها من الخرافات التي كان بطلها امرأة أو رجل أو طفل وقع في حبائل خديعة إنسان أو حيوان أو مخلوق خرافي شرير، يوصف عادة بأوصاف غير واقعية بل وغير منطقية من حيث الشكل أو القوة أو القدرة على التحول من شكل الى اخر لخداع الناس . والخرافة هي رواية غير واقعية تناقلها الناس عبر الزمان، وكانت في بدايتها تعكس واقعا اجتماعيا ، اقتصاديا ، فكريا ، وكانت تحمل رسائل اجتماعية لم يكن من الممكن في حينه التعبير عنها سوى بالخرافة، وأهمها رسالة الخير والشر والصراع الطبقي وغير ذلك . وقد صدق الكاتب عندما صور الخرافة بهذا النحو من الرعب، وكأنني به يقول إن زمن الغول والساحرات والحيوانات التي تتحول الى انسان قد ولّى ، ولم يعد الطفل يصدق هذه الروايات الخرافية، لذلك لم يعد بحاجة اليها، ولا يجب أن نفرضها عليه، ونجعلها وسيلة للتربية، أو حتى التسلية وجاء ذلك على لسان المعلمة التي أوضحت للطفلة بأن الغول مجرد خرافة لا أساس له في الواقع . واذا كان الكاتب يرفض استخدام الخرافة كوسيلة لتربية الطفل، فإنه يطرح البديل الأنسب في هذا الزمان، وهو تعريف الطفل على الواقع الذي يعيش فيه وربطه بشكل مباشر بحاضر وثقافة مجتمعه، وذلك لمواكبة التطور الثقافي العلمي السريع . وهذه رسالة عميقة في الزمن الذي يعيش فيه الطفل الفلسطيني في خضم احداث سياسية اجتماعية عسكرية، يعجز الكبار عن استيعابها فما بالكم الاطفال؟ . فاذا كانت خديجة قد ارتجفت وبالت في فراشها إثر رؤيتها حلما يصور الغول أنه كجبل الزيتون، فالطفل الفلسطيني كما تقول الدراسات النفسية يبول في فراشه اثر رؤية أعمال القتل والتدمير التي يقوم بها الاحتلال يوميا، وتطال الأطفال أيضا . واذا كان الغول في قصة السلحوت خرافة، فإن غول الاحتلال واقع يعيشه الطفل الفلسطيني كل يوم .
2. قد لا يكون هذا جديدا في قصة الغول، ولكنه ظاهرة فنية بارزة تثري القصة، وتتيح للطفل التخيل والتصور كما يشاء . إنها الرسومات التي ترافق النص كلمة بكلمة، فاذا كان الطفل لا يستطيع تخيل خديجة من خلال النص، فيكفي أن يلقي نظرة سريعة على الرسم، ليعرف أنها صغيرة وحزينة وخائفة وغير ذلك . وقد أضفت الرسومات في قصة السلحوت بعدا فنيا آخر على القصة وأثرتها من الناحية الجمالية، وجعلت شكلها مقبولا لدى الأطفال، وخاصة الألوان الجميلة والمعبرة جدا . ولكن من أجل أن تعطي الرسومات الإيحاءات التي يقصدها النص، يجب أن تكون أقرب الى التصوير الذي يعنيه الكاتب، ويقصد نقله الى القارئ، وربما يكون ذلك ممكنا لو كان الكاتب هو نفسه الرسام، أمّا اذا كان الرسام غير الكاتب، فإننا نكون أمام حالتين فنيتين لكل واحدة منهما خصوصية وثقافة وأسلوب . وهذا ما لاحظناه في الرسومات التي رافقت النص في قصة الغول التي لم تكن منسجمة تماما مع النص، مثلا صورة الغول في الرسم تشبه صورة التنين برأسه وعنقه ، في الوقت الذي تصور فيه الخرافة الغول بأنه عجوز شمطاء تتحول كما تشاء من أجل ان توقع بالضحية ،وفي خرافات أخرى كان الغول يشبه حيوانا ذا رأس كبير، ولكن ليس بعنق طويل . وفي الوقت الذي أظهر فيه الرسام الجدة العجوز في غرفة مسقوفة بألواح الخشب يتوسطها عامود خشبي داعم ، إيحاءا منه بالقدم والتأخر، فإن رسم الغرفة التي تظهر فيها الأمّ إضافة الى الحمام ، يوحي بأن المنزل مبني على الطراز الحديث . ورغم أن الكاتب صور الأمّ بانها قاسية توبخ طفلتها على عمل لا يستحق هذا التوبيخ، فقد اظهرها الرسام على نحو مغاير عندما ظهرت تمشط ابنتها في غرفة أمام مكتبة مليئة بالكتب، مما يعني أنها أمّ تعيش وسط عائلة مثقفة وقارئة .
3. لقد مثلت المعلمة الشريحة المتعلمة والمثقفة في المجتمع .. تلك الشريحة التي تلعب دورا كبيرا وفاعلا في تربية الطفل . ولكن الكاتب تجاهل هنا دور العائلة في التربية فجعل من الجدة وسيلة للتربية قديمة ومرفوضة ، متمسكة بالخرافة ولا تعي التطور الثقافي والعلمي الذي طرأ على المجتمع . وقد يكون هذا مبررا ومنطقيا خاصة عندما يكون ثمة ضرورة لإظهار الصراع بين الأجيال، والذي تدور حوله الكثير من القصص والروايات في العصر الحديث . وجاء دور الأّ السلبي تجسيدا لتجاهل الكاتب دور العائلة ، لقد وبختها الأمّ ولم تصغ لتوسلاتها بان تسمعها وتمنحها فرصة لتبرير ما جرى لها بشكل غير إرادي أصلا . والأكثر من ذلك عاقبتها بان سكبت عليها الماء البارد في الحمام . اعتقد أن الكاتب بالغ كثيرا في تصوير دور الأمّ السلبي، وهي بهذا الدور لا تمثل دور الأمّ النمطي في مجتمع اليوم الذي يعتمد في ثقافته على التلفاز والانترنيت، والذي انفتح على العالم، وحطم جميع الحواجز الجغرافية والسياسية بين مختلف الشعوب .
4. في الختام اقدر هذا العمل أشد تقدير وهو حقا يثري مكتبة الطفل الفلسطيني، ويبث رسائل تربوية ثقافية نحن بحاجة لإرسائها وترسيخها في المعركة الثقافية متعددة الأبعاد التي نخوضها كل يوم.
وبعده قال موسى أبو دويح:
الغول لجميل السلحوت وجهل الجاهلين
الغول قصة للأطفال للكاتب جميل السّلحوت، من منشورات مركز بعثة الطّفولة الفلسطينيّة في رام الله، صدرت الطّبعة الأولى منها في أواخر آب سنة 2007.
والغول لفظة متداولة على ألسنة العامّة وبخاصّة النّساء اللواتي يخوّفن أطفالهنّ دوماً بالغول.
ولقد حصر الكاتب شخوص قصّته في أربعة: الطّفلة خديجة وأمّها وجدّتها ومعلّمتها؛ وهذا من شأنه أن يجعل القصّة سهلة الفهم عند الطّفل، ولو كان صغيراً أو دون سنّ التّمييز.
فالجدّة حدّثت حفيدتها عن الغول فأرعبتها، حتّى أنّها رأت الغول في منامها فابتلعها، فبالت في ثيابها من شدّة الخوف وبلّلت الفراش. فذهبت إلى أمّها تخبرها الخبر فانهالت عليها ضرباً وصراخاً دون أن تسمع منها سبب ذلك، وحمّمتها بالماء البارد عقوبةً لها.
ذهبت خديجة إلى المدرِسة فأخبرت معلّمتها بما حدث معها؛ فلاطفتها وبيّنت لها أنّ الغول حيوان خرافيّ لا وجود له.
القصّة مصوّرة، والصّور فيها معبّرة وتناسب الوقائع، وظهرت فيها الأمّ والجدّة في ثياب من الزّيّ الفلسطينيّ القرويّ، وظهرت فيها صورة المعلّمة في ثياب محتشمة.
والقصّة مشكولة حرفاً حرفاً، وخلت من الأخطاء إلا ثلاثة:
1. آذان الفجر في الصّفحة الخامسة والصّحيح أذان الفجر، فليس للفجر أذن ولا آذان.
2. في الصّفحة الخامسة له عين في منتصف جبينة حيث وضعت نقطتان على التّاء المربوطة وهي هاء مهملة بدون تنقيط.
3. وفي الصّفحة العاشرة " واستبدلت ملابسها بالمزّيّ المدرسيّ" والصّحيح بالزّيّ المدرسيّ بدون الميم.
وهذه الأخطاء الثّلاثة أخطاء مطبعيّة لا تخفى على الشّيخ أبداً.
أمّا الخطأ الكبير الّذي وقع فيه الكاتب فهو قوله: فأجابت المعلّمة: إنّه جهل الأمّيّين جواباً لخديجة عندما سألت: لماذا تحدّثني جدّتي عن حيوان خرافيّ غير موجود؟ والصّحيح أن يقول: إنّه جهل الجاهلين، فالأمّيّون ليسوا جهلة ولا جاهلين. فكم من أمّيّ عقله أرجح من عقول كثير من المتعلّمين! وكم من متعلّم هو من أجهل الجاهلين! ويكفي دليلاً على ذلك أنّ سيد الخلق محمّداً _صلّى الله عليه وسلّم_ كان أمّيّاً، وهو معلّم الخلق أجمعين.
ولقد أحسن الكاتب في قوله: (داعبتها المعلّمة) بمعنى لاعبتها ومازحتها ولاطفتها، والعرب تقول هو دعّاب لعّاب.
ولقد جاءت لغة القصّة سهلة مناسبة للأطفال لا تعقيد فيها، وجاءت أدوار الشخوص فيها مناسبة لكلّ واحد منهم، فالأدوار واقعيّة مختارة من واقع الرّيف الفلسطينيّ.
وتعميماً للفائدة رجعت إلى لسان العرب لأرى ما تقول العرب في الغول، ورأيت أن أختار ممّا جاء فيه عن الغول ما يلي:
جاء في لسان العرب في مادة (غول) غاله الشّيءُ غولاً واغتاله: أهلكه وأخذه من حيثُ لم يدر.
والغُولُ المنيّة. واغتاله: قتله غِيلةً أي في اغتيال وخُفْية وقيل: هو أن يخدع الإنسانَ حتّى يصيرَ إلى مكان قد استخفى له فيه مَنْ يقتلُه. قال ذلك أبو عبيد.
ويقال: غاله يغوله إذا اغتاله. وكلّ ما أهلك الإنسانَ فهو غول.
وقالوا الغضب غُول الحِلْم أي أنّه يهلكه ويغتاله ويذهب به.
والغُول كلّ شيء ذهب بالعقل. والغُول الدّاهيةُ.
والغول بالضّمّ السِّّعلاة والجمع أغوال وغيلان.وفي حديث النّبيّ _صلّى الله عليه وسلم_: عليكم بالدُّلْجة فإن الأرض تُطْوىٰ بالليل، وإذا تغوّلت لكمُ الغيلان فبادروا بالأذان، ولا تنزلوا على جوادّ الطّريق (جمع جادّة)، ولا تصلّوا عليها، فإنّها مأوى الحيّات والسّباع.
وفي الحديث أنّ رسول الله _صلّى الله عليه وسلّم_ قال: لاعَدوىٰ ولا هامَةَ ولا صَفَرَ ولا غُول، كانت العرب تقول: إنّ الغيلان تراءى للنّاس فتغوّلُ تغوّلاً أي تلوّنُ تلوّناً فتضلّهم عن الطّريق وتهلكهم فأبطل ذلك النبيّ _صلّى الله عليه وسلّم_ ونفاه.
والغول الحيّة والجمع أغوال. قال امرؤالقيس: (ومسنونةٍ زُرْقٍ كأنيابِ أغوالِ). قال أبو حاتم: يريد أن يكبُرَ بذلك ويعظُم. ومنه قوله تعالى: (كأنّه رؤوس الشّياطين) وقريش لم تَرَ رأس شيطان قطّ، إنّما أراد تعظيم ذلك في صدورهم.
وبعده قال محمد موسى سويلم :
قالوا المستحيلات ثلاث الغول والعنقاء والخلّ الوفي ، قرأت لجميل السلحوت قصة للأطفال تحت عنوان الغول، فقصة الغول التي تروي للأطفال هي من القصص المخيفة للأطفال ليناموا ، ترى هل لا يزال هناك جدات من الزمن الجميل يروين تلك الحكايات مثل الغول وجبينه وطايع أمّه والشاطر حسن او الشاطر محمد ؟؟ وهل هناك أمهات يجلسن مع اطفالهن لسماع تلك الخرافات ؟؟
ثم من أين جاء الكاتب بتلك الأوصاف طالما أن الغول حيوان خرافي ؟؟ ثم لماذا تُوثق مثل تلك القصص من أديب وناقد مثل الشيخ جميل السلحوت صاحب القلم الحاد والجميل معا ؟؟
ذكر الكاتب ان – خديجة – رأت الغول ص5 " بحجم جبل الزيتون الذي يحتضن القدس من جهتها الشرقية " شكرا للكاتب على ذكر جبل الزيتون، وذلك ان القصة للأطفال فكما يعرف أطفال فلسطين جبل الكرمل وجرزيم وعيبال وغيرها عليهم معرفة جبل الزيتون احد جبال القدس وهو جزء منها، وجميل ان تقدم هكذا معلومة للأطفال.
من اي زمان هذه الأمّ التي انهالت ضربا على ابنتها، والأدهى والأمرّ حمام بارد وبلا فطور، والذهاب الى المدرسة بهذه الحالة النفسية الصعبة، ولكن ربك حميد الذي أرسل لخديجة معلمة ذكية لماحة، احتضنت الطفلة وقبّلتها وبهذا تكون قد امتصت الصدمة، لينطلق لسان خديجة بالحكاية عن قصة الجدة عن الغول الى التبوّل اللاإرادي الى العقاب ضربا وشتما الى الحمام بالماء البارد، هدّأت المعلمة من روع خديجة، بأن شرحت لها أن الغول حيوان خرافي ،وأن الجدة من الجاهلات الامّيات، وهنا جاء دور المعلمة في استغلال هذا الموقف أو الحدث لتعلم التلاميذ عن الحيوان الخرافي، وأن هذه القصص هي نتيجة الجهل وعدم التعليم، وعدم المطالعة والدراسة وعن دور الأطفال في الحديث للجدات والأمهات عن الطبيعة وعن التعليم .